بقلم د.عبد الجبار ثجيل الذهبي
بدأ الظهور الحقيقي للمذهب الشيعي في مصر بعد التقارب المذهبي بين السنة والشيعة في منتصف الأربعينات على يد جماعة التقريب وقد استمر هذا النشاط حتى فترة السبعينات، وخلاله صدرت فتوى عن شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ (شلتوت) بأن المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهب إسلامي يجوز التعبد به كسائر المذاهب الإسلامية الأخرى وهى فتوى تتطابق مع أراء وأفكار العديد من رجالات الفقه الإسلامي ، وفي السبعينات ظهرت جمعية آل البيت لأحياء التراث الشيعي وكانت الظروف مساعدة لها في البداية نظراً للعلاقة القوية التي كانت تربط بين نظام السادات وإيران في عهد حكم الشاة ، لكن الغبار الذي أثارته الحملة الضارية من التضليل لم تترك لذلك التقارب و الفتاوى مكان ولا للآراء موضع ذكر، ورغم التراث الجيد للتقارب السني الشيعي في مصر و التواصل بين الشيعة والقوى الإسلامية المصرية وعلى رأسها مؤسسة الأزهر والأخوان المسلمين إلا أن حملة التضليل لم تترك مجالا للبناء على ذلك التراث، كل ذلك جاء في سياق منع كامل للشيعة في مصر من التعبير عن رأيهم ونشر أفكارهم وطرح أرائهم المختلفة سواء بالكتابة في الصحف أو بتأسيس دور نشر تهتم بالرد على كل هذا الكم من حملات التضليل ، فبدئ الأمر أنة تحالف قوي بين السلطة وأصحاب الأفكار التكفيرية مع بداية السبعينيات وحتى الان ، وكان على الشيعة دفع الثمن ، وهو في كل الأحوال ثمن باهظ . يعانى الشيعة في مصر جملة من إهدار لكثير من الحقوق التي ينضوي معظمها في خانة الحقوق الأساسية للإنسان، و الملفت للنظر أن الأسباب السياسية وليست الفقهية كانت هي السبب الأول في ضرب حالة من التعتيم على معتنقي المذهب من المصريين ، وعندما قامت الثورة الإيرانية فإن حملة شعواء قد تم تنفيذها على مستويات مختلفة في مواجهة الشيعة كمذهب وكان من تلك المستويات المستوى الأمني بعد أن بلغ المستوى الإعلامي مداه بنشر كم هائل من المطبوعات طعناً في المذهب الشيعي ، وأصبحت الفتاوى التي صدرت من أعلى مؤسسة دينية في مصر عن المذهب بإعتبارة مذهباً إسلاميا مثل باقي المذاهب مشكوك بها ( أعلن مفتي قناة الجزيرة يوسف القرضاوي بأن فتوة الشيخ شلتوت لا صحة لها) رغم تأكيد صحتها من علماء الأزهر الحالين وكل ذلك في ظل العاصفة الشعواء التي هبت بدعم رسمي ومؤسساتي مصري وعربي ، وفي العام 1979 تم إلغاء جمعية آل البيت بقرار من الحكومة المصرية كما تم مصادرة المسجد التابع لها والذي كان يحمل اسم مسجد آل البيت ، ورغم أن الجمعية حصلت على حكم قضائي قرر حقها في العودة لممارسة نشاطها الا أن الحكومة المصرية لم تقم بتنفيذ هذا الحكم وعرقلته بوسائل مختلفة ومتعددة ، وفي خلال العشرة أعوام المنصرمة تم القاء القبض على عدد من أتباع المذهب الشيعي في مصر تحت دعاوى مختلفة تبرز حالة المنع التعسفي لهم من ممارسة شعائرهم و حقوقهم الدينية . والملفت للنظر أنة لم ينسب الى أى من تلك المجموعات الشيعية القيام أو الدعوة للقيام بأعمال تتصف بالتطرف والغلو .
والموقف الرسمي المصري من الشيعة لا يستند فقط على الأبعاد الأمنية فهو فوق ذلك يستفيد من حملة التضليل الواسعة التي تم تسويقها عبر ما يقرب من ثلاث عقود كاملة ، حول معتقدات الشيعة ، من خلال عشرات الكتب والآلاف من المقالات التي أثارت الشكوك حول عقيدة الشيعة فتارة يوصفون بالكفر وتارة بالمروق عن الدين الإسلامي وأنهم فئة ضالة .بل اكثر من ذلك وصفهم الرئيس المصري المطرود حسني مبارك ( بأن ولاء الشيعة ليس لبلدانهم بل الى ايران) وهذا يعني تجريدهم من وطنيتهم. غير أن الصورة على قتامتها بدت في الانفراج لأسباب لاتعود للسلطة ولا تعود للشيعة ولكنها لسبب أخر لم يكن في الحسبان ، ذلك أن تنامى الانفتاح الإعلامي على أصعدة مختلفة وظهور الفضائيات ، ساعد في إزالة الكثير من أثار حملة التضليل ، خاصة وأن الكثير من الفعاليات الشيعية في دول ومنظمات بدت أقرب بمواقفها الكثيرة الى الكثير من الامانى العامة ، فإيران الدولة الشيعية كان لها الكثير من المواقف الجيدة تجاه القضايا المركزية العربية بل أفضل بكثير من الحكومات العربية ، وحزب الله اللبناني كمنظمة أصبح يصنف لدى الغالبية العظمى على أنة منظمة رائدة في المقاومة العربية ، تحوز الإعجاب في وقت لايجد المواطن العربي شيئا أخر يستحق هذا الإعجاب من الحكومات العربية.وأخيرا الثورة الشعبية في مصر قد فتحت الباب الإعلامي للشيعة بشكل أوسع كما أعلنت المطالبة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران