- السؤال:
السلام عليكم
ظهرت شبهة من قبل السيّد فرقد القزويني حول التقويم الهجري بأنّه مغلوط أرجو إفتاءنا حول هذا الموضوع لأنّه يقول بأنّ رمضان في 20 اكتوبر وهناك ناس كثيرون تصدقه وعندي اطلاع حول الموضوع.. أرجو الردّ.
- السؤال:
السلام عليكم
-
الجواب:
السلام علیکم ورحمة اللّه وبرکاته
إنّ العبادات وغيرها المؤقتة بوقت كالحجّ والصيام والبلوغ والعدّة في الطلاق والوفاة ومدّة الحمل والرضاع وغير ذلك قد ضبط الشارع المقدّس وقتها بالأشهر القمرية، ودلّ على ذلك الكتاب الكريم والسنة الشريفة وسيرة المسلمين منذ عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) إلی يومنا هذا.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ البقرة: 189.
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسيرها:
(«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ» أي: أحوال الأهلة في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك «قُلْ» يا محمد «هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» أي: هي مواقيت يحتاج الناس إلى مقاديرها في صومهم وفطرهم وعدد نسائهم ومحل ديونهم وحجهم... فيه أوضح دلالة على أنّ الصوم لا يثبت بالعدد وأنه يثبت بالهلال لأنّه سبحانه نصّ على أنّ الأهلة هي المعتبرة في المواقيت والدلالة على الشهور فلو كانت الشهور إنّما تعرف بطريق العدد لخصّ التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلة لأنّ عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلة في معرفة المواقيت).
وقال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في التبيان في تفسير القرآن في معنى الآية:
(فإن قيل عمّا كان وقع السؤال من حال الأهلة قيل عن زيادتها ونقصانها، وما وجه الحكمة في ذلك، فاُجيب بأنّ مقاديرها تحتاج إليه الناس في صومهم، وفطرهم، وحجهم وعدد نسائهم، ومحل ذنوبهم، وغير ذلك. وفيها دلالة واضحة على أن الصوم لا يثبت بالعدد، وأنّه يثبت بالهلال، لأنّ العدد لو كان مراعى، لما أحيل في مواقيت الناس في الحجّ على ذلك بل أحيل على العدد).
وأورد جلال الدين السيوطي وهو من علماء العامة في الدرّ المثور في التأويل بالمأثور:
(أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال «سألوا النبي (صلّى الله عليه وآله): لم جعلت الأهلة؟ فأنزل الله «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ» الآية. فجعلها لصوم المسلمين، ولإِفطارهم، ولمناسكهم، وحجّهم، ولعدّة نسائهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه»).
وذكر إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي وهو من علماء العامة أيضاً في تفسيره:
(قال أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: بلغنا أنَّهم قالوا: يا رسول الله، لم خُلِقَتْ الأهلة؟ فأنزل الله «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ» يقول: جَعَلَهَا الله مواقيت لصَوْم المسلمين وإفطارهم، وعدّة نسائهم، ومَحَلّ دَيْنهم. وكذا رُوي عن عَطَاء، والضحاك، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس، نحو ذلك).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ التوبة: 36.
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسير الآية (أي: عدد شهور السنة في حكم الله وتقديره اثنا عشر شهراً وإنّما تعبد الله المسلمين أن يجعلوا سنيهم على اثني عشر شهراً ليوافق ذلك عدد الأهلة ومنازل القمر دون ما دان به أهل الكتاب [من متابعة السنة الشمسية] والشهر مأخوذ من شهرة الأمر لحاجة الناس إليه في معاملاتهم ومحل ديونهم وحجهم وصومهم وغير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشهور).
قال السيد الطباطبائي رحمه الله في ميزانه : («إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا».. إلخ ناظر إلى الشهور القمرية التي تتألف منها السنون وهي التي لها أصل ثابت في الحس وهو التشكلات القمرية بالنسبة إلى أهل الأرض.
والدليل على كون المراد بها الشهور القمرية -أوّلاً- قوله بعد: «مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ» لقيام الضرورة على أنّ الإسلام لم يحرم إلا أربعة من الشهور القمرية التي هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، والأربعة من القمرية دون الشمسية.
و ثانياً: قوله: «عِندَ اللّهِ» و قوله: «فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ» فإنّ هذه القيود تدلّ على أنّ هذه العدّة لا سبيل للتغير والاختلاف إليها لكونها عند الله كذلك ولا يتغير علمه، وكونها في كتاب الله كذلك يوم خلق السماوات والأرض فجعل الشمس تجري لمستقر لها، والقمر قدره منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون فهو الحكم المكتوب في كتاب التكوين، ولا معقب لحكمه تعالى.
ومن المعلوم أنّ الشهور الشمسية وضعية اصطلاحية وإن كانت الفصول الأربعة والسنة الشمسية على غير هذا النعت فالشهور الاثنا عشر التي هي ثابتة ذات أصل ثابت هي الشهور القمرية).
وقال تعالى في توقيت الحجّ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ البقرة: 197.
قال الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسيرها:
(«الْحَجُّ» أي أشهر الحجّ «أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ» أي أشهر مؤقتة معيّنة لا يجوز فيها التبديل والتغيير بالتقديم والتأخير اللذين كان يفعلهما النساة الذين أنزل فيهم إنّما النسيء زيادة في الكفر الآية وأشهر الحجّ عندنا شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة على ما روي عن أبي جعفر وبه قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم وقيل هي شوال وذو القعدة وذو الحجة عن عطاء والربيع وطاووس وروي ذلك في أخبارنا وإنّما صارت هذه أشهر الحجّ لأنّه لا يصحّ الإحرام بالحجّ إلا فيها بلا خلاف وعندنا لا يصحّ أيضاً الإحرام بالعمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ إلا فيها ومن قال أنّ جميع ذي الحجّة من أشهر الحجّ قال لأنّه يصحّ أن يقع فيها بعض أفعال الحجّ مثل صوم الأيام الثلاثة وذبح الهدي..).
وروى الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي عن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: («الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ» شوال وذو القعدة وذو الحجة، ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهن).
وأما السنّة الشريفة، فقد روى الشيخ الحر العاملي رحمه الله في الوسائل بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية..) الحديث.
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن الأهلة؟ فقال: (هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر..) الحديث.
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) -في حديث- أنّه كتب إلى المأمون: (وصيام شهر رمضان فريضة، يُصام للرؤية ويُفطر للرؤية).
وروى الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي: عن أبي عبدالله (عليه السلام): (ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، ليس على المسلمين إلا الرؤية).
وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في التهذيب:
(المعتبر في تعرف أوائل الشهور بالأهلة دون العدد على ما يذهب إليه قوم من شذاذ المسلمين، والذي يدل على ذلك قول الله عزوجل «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» فبين الله تعالى أنّه جعل هذه الأهلة معتبرة في تعرف أوقات الحجّ وغيره ممّا يعتبر فيه الوقت، ولو كان الأمر على ما يذهب إليه أصحاب العدد لما كانت الأهلة مراعاة في تعرف هذه الأوقات إذا كانوا يرجعون إلى العدد دون غيره، وهذا خلاف التنزيل، والهلال: إنّما سمّي هلالاً لارتفاع الأصوات عند مشاهدتها بالذكر لها والإشارة إليها بالتكبير أيضاً والتهليل عند رؤيتها، ومنه قيل استهل الصبي إذا ظهر صوته بالصياح عند الولادة، وسمّي الشهر شهراً لاشتهاره بالهلال، فمن زعم انّ العدد للأيّام والحساب للشهور والسنين يغني في علامات الشهور عن الأهلة ابطل معنى سمات الأهلة والشهور الموضوعة في لسان العرب على ما ذكرناه، ويدلّ على ذلك أيضاً ما هو معلوم كالاضطرار غير مشكوك فيه في شريعة الإسلام من فزع المسلمين في وقت النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده إلى هذا الزمان في تعرف الشهر إلى معاينة الهلال ورؤيته، وما ثبت أيضاً من سنّة النبي صلى الله عليه وآله أنّه كان يتولى رؤية الهلال ويلتمس الهلال ويتصدى لرؤيته وما شرعه من قبول الشهادة عليه، والحكم فيمن شهد بذلك في مصر من الامصار، ومن جاء بالخبر به عن خارج الامصار، وحكم الخبر به في الصحّة، وسلامة الجو من العوارض، وخبر من شهد برؤيته مع السوائر في بعض الاصقاع، فلولا أنّ العمل على الأهلة أصل في الدين معلوم لكافة المسلمين ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه، ولكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثا لا فائدة فيه، وهذا فاسد بلا خلاف، فأمّا الاخبار في ذلك فهي أكثر من أن تحصى).
قال الشيخ قطب الدين الراوندي رحمه الله في فقه القرآن: (ان السُنّة للمسلمين على الأهلة لا على ما يعده أهل الكتاب، فسمّى الله كل ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً -عند تجدّد رؤية الهلال بعد استسراده- شهراً، وسمّى كلّ اثني عشر شهراً سنة وعاماً وحولاً، إذ كان لا ينتظم أمر الناس إلا بهذا الحساب وإجراء الأحوال على مقتضى هذا المثال في جميع الأبواب. ولما كان سائر الاُمم سوى العرب يجعلون الشهر ثلاثين يوماً والسنة بحلول الشمس أوّل الحمل، وذلك إنّما يكون بانقضاء ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم، واليهود والنصارى عبادتهم المتعلقة بالأوقات تجرى على هذا الحساب، بيّن الله أنّه حكم بأن تكون السنة قمرية لا شمسية وانه تعبّد المسلمين بهذا، فجعل حجّتهم وأعيادهم ومعاملاتهم وحساباتهم ووجوب الزكوات عليهم معتبرة بالقمر لا الشمس).
هذا، وقد شدد الشارع المقدس النكير على من يتلاعب بالتوقيت الذي وقته الشارع لما أمر به، كالذي حصل بالنسبة للأشهر الحُرُم التي يحرم القتال فيها حيث قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ التوبة: 37.
وذكر الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسيرها:
(«إِنَّمَا النَسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ» يعني: تأخير الأشهر الحُرُم عمّا رتّبها الله سبحانه عليه (وهي ذو القعدة وذوالحجة ومحرم ورجب) وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة وذلك ممّا تمسكت به من ملة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهم (العرب) كانوا أصحاب غارات وحروب فربّما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زماناً ثمّ يزول التحريم إلى المحرم ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة قال ابن عباس ومعنى قوله «زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ» أنّهم كانوا أحلّوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله).
وعلى ذلك لا يجوز التلاعب بالمواقيت وتغييرها على خلاف ما وقّته الشارع المقدس، وأن من يدعي توقيتا خلاف هذا الذي ذكرناه من الكتاب والسنة وسيرة المسلمين وأقوال علمائهم لا أساس له، ولا يصغى إليه حيث وصفتهم الآية الكريمة «زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ».. فافهم واغتنم.
- الجواب: