حسين الذهيباوي
من كان يؤمن بالإسلام دين الحق الخالص لله تعالى فانه يؤمن بان لهذا الدين القيم احكام شرعية وتكاليف من صلاة وصوم وحج وزكاة وخمس وغيرها من فروع الدين, وان المكلف المؤمن ملزم بواجبات يجب ان يؤديها ومحرمات يجب ان يجتنب عنها واوامر الهية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعطاء لكل ذي حقٍ حقه وغيرها . فكيف يتسنى له ان يعرفها ويعرف ما هو المترتب عليه اتجاهها بعيدا عن الجهل والتعصب الاعمى ؟ فالعقل الذي ينشئ حكماً تابع من الفطرة منذ خلق الانسان يلزمه بالرجوع الى الطبيب في مرضه لطلب العلاج وتشخيص وضعه الصحي وامتثالا لأوامره , والرجوع في البناء والاعمار الى المهندس المختص لبنائه بصورة جيدة ولصيانة اجهزته المختلفة يرجع الى المختص بها , وكذلك في امور حياته الاخرى المختلفة اجتماعياً واقتصادياً وحتى العسكرية فيها يرجع الى اصحاب الخبرة والمختصين في كل مجال بحسبه وهذا واضح . فلهذا من المنطقي والبديهي بالمتابعة والالتزام لمعرفة فروع دينه وتطبيقاته فانه يرجع الى الفقيه الجامع للشرائط وهذا هو روح التقليد بعينه فطاعة المولى رب العالمين الحق تلزمه بذلك في الامتثال ولا يكون الا بوجود المصلحة والمفسدة وقد نص القرآن الكريم بهذا الرجوع بقوله تعالى ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فهذه الآية لها معنى من المعاني في لزوم الرجوع الى من يتفقه في الدين لمعرفة تكاليفهم الشرعية . أمّا الروايات، فقد وردت روايات متعدّدة عن أهل البيت (عليهم السلام) يستفاد منها إجزاء العمل بالتقليد، نكتفي بذكر ثلاثة منها: الرواية الاُولى: وهي صحيحة من حيث السند، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته وقلت: من اُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال: العمريّ ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون» . (وسائل الشيعة، للشيخ الحرّ العامليّ، ج27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ص 138). فإنّ سؤال السائل: «من اُعامل؟ وعمّن آخذ؟» عامّ يشمل السؤال عن أخذ الفتوى وعن أخذ الخبر، وكذا جواب الإمام (عليه السلام) بقوله: «فاسمع له وأطع» يشمل أخذ الفتوى من المختص والعالم بها . الرواية الثانية: وهي تامّة من حيث السند، عن إسحاق بن يعقوب قال: «سألت محمّد بن عثمان العمريّ أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك.... : وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله » . (وسائل الشيعة، ج27 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ص 140). و هي واضحة الدلالة على مشروعيّة التقليد وأخذ الفتوى من المختص ؛ لأنّ الحجّيّة نسبت إلى نفس الراوي لا إلى ما ينقله، هذا فضلاً عن دلالتها على ولاية الفقيه وحجّيّة حكمه. الرواية الثالثة: وهي تامّة من حيث السند أيضاً، عن يونس بن يعقوب قال: «كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟! ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصريّ؟».( المصدر السابق، ص 145).