المرجع الديني السيد الحائري
يحرم إعدام النطفة وإلقاؤها من الرحم في جميع مراحل وجودها يقسّم الاستنساخ إلى ثلاثة أقسام، الأوّل استنساخ العضو : فثورة العلوم الطبيعيّة الجينيّة انتهت إلى نتيجة إمكان أخذ خليّة واحدة من بعض الأعضاء بوسائل صناعيّة، فتجعل في جهاز خاصّ أبدعته العلوم الحديثة، وتغذّى بالوسائل الصناعيّة، فتتكثّر إلى خلايا متماثلة متّصلة إلى أن نحصل على قطعة من الجلد أو العضو الآخر الذي أخذنا خليّته، فنفوز بجلد جديد مثلاً يكون نسخة ثانية للجلد الأصلي.وربّما يستفاد من هذا العضو الجديد في معالجة ذاك العضو أو ذاك الشخص الذي أخذنا خليّته، فيبدّل المعيوب أو المقطوع بذلك، ويتقبّل الجسمُ هذه القطعة الجديدة لمشابهتها تماماً القطعة المعيبة.ونتجاوز ما فعله بعض من إخراج هذا عن اسم الاستنساخ بسبب أنّ حصيلته ليست إنساناً أو حيواناً.اما القسم الثاني فهو الاستتئام: قد عرفنا أنّ البُيَيْضَة بعد ما لقّحت في رحم المرأة بمنيّ الرجل فالخليّة الملقّحة تتكاثر، فتصبح اثنتين، ثُمّ أربعاً، ثُمّ ثمانياً وستّ عشرة... وهذه الخلايا بجميعها داخلة تحت غشاء واحد يكسوها، ولكلّ منها ما عرفت: من غلاف، ومادّة سائلة، والنواة المشتملة على الكروموزومات.وتقدّم العلم أوجب إمكان خرق ذاك الغشاء الذي كسى جميعها، وتفريقَ الخلايا التي تكاثرت وتعدّدت؛ لتغشى كلّ خليّة بغشاء جديد قالوا: إنّه يؤخذ من بعض الموادّ في البحار، فتكون كلّ خليّة نسخة ثانية للخليّة الاُولى، وتشرع في المحيط المناسب ـ أعني الرحم ـ بالتكاثر إلى أن تصل إلى اثنتين وثلاثين، وتنمو وتصبح ولداً كاملاً، وهؤلاء الأولادُ أمثال في جميع الصفات والخصوصيّات، ويكونون توائم متشابهة. فيمكن أن توضع كلّ منها في رحم امرأة؛ كي تصبح ولداً كاملاً، كما يمكن جعل بعض منها في رحم المرأة، ويُحْفَظ بعض آخر بصورة جامدة، وبعد عامين مثلاً يجعل في رحم المرأة، فيكون الولدان أو الأولاد متشابهين وتوائمَ كلّ منها عين الآخر، لافرق بينها، إلّا بأنّ المتقدّم أكبر سنّاً من المتأخّر.والقسم الثالث من الاستنساخ أن نأخذ خليّة بُيَيْضة امرأة غير ملقّحة،فننزع نواتها، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى نأخذ خليّة بعض أعضاء رجل أو امرأة ولو كانت نفس هذه الامرأة صاحبة البُيَيْضَة، فنأخذ مثلاً خليّة جلده، ونجعل هذه الخليّة مكان نواة البُيَيْضَة المنزوعة النواة، ثُمّ نجعل هذه الخليّة المتكوّنة بهذا الشكل في داخل رحم امرأة، فتشرع في التكاثر إلى أن تبلغ اثنتين وثلاثين خليّة، ثُمّ تصل إلى مراحل رشد الجنين، ويولد طفل يكون من جميع الخصوصيّات والجهات نسخة ثانية لصاحب الجلد في المثال المفروض الذي أخذنا منه خليّة جلده.فخليّة بُيَيْضة المرأة كانت تشتمل على ثلاثة وعشرين كروموزوماً، ولم تقدر على التكاثر والبلوغ إلى مرحلة جنين كامل، ولكن خليّة العضو الذي أخذنا خليّته مشتملة على ستّة وأربعين كروموزوماً، فإذا وضعت مكان نواة خليّة البُيَيْضَة، تقدر الخليّة المتحقّقة من الخليّتين على أن تتكاثر، وتصل إلى مرتبة كاملة للجنين، ويتولّد الطفل من اُمّه. وهذه الأقسام الثلاثة للاستنساخ يسمّى الأوّل والثالث منها بالاستنساخ التقليدي، والثاني منها بالاستتئام. وسرّ تسمية الأوّل والثالث منها بالاستنساخ التقليدي هو: أنّ ما يحصل منهما من نتاج يكون نسخة ثانية ومقلّدة للنسخة الاُولى: إمّا نسخة للعضو، أو نسخة للإنسان، أو الحيوان، في حين أنّ التوائم في الاستتئام كلّها في عرض واحد، وليس بعضها تقليداً لبعض. وقد انتهينا إلى هنا من المقدّمات التي توضّح حقيقة الاستنساخ.أمّا البحث عن حكم ذلك فتارةً يكون عن جواز نفس الاستنساخ في شريعة الإسلام، واُخرى يكون عمّا يترتّب من الأحكام على الحصيلة المتحصّلة بهذه العمليّة: أمّا البحث عن جواز أصل عمليّة الاستنساخ، فلاريب في أنّه يجب في ذلك الاجتناب عن المحرّمات التي ربّما يكون الإقدام على ذلك مصاحباً لها، فليجتنب مثلاً عن مسّ الأجنبيّ أو الأجنبيّة لبدن إنسان تُؤخذ منه الخليّة، وكذا النظر إلى ما يحرم النظر إليه، ونظر غير الزوجين إلى عورة غيرهما وإن كان من المحارم. إلّا أنّ هذه الأحكام أحكام مستقلّة، إذا لم يراع أمثالها، لم يوجب ذلك حرمة نفس الاستنساخ. نعم في الاستنساخ التقليدي للإنسان قد يقال: إنّ استنساخه بشكل وافر يخلق الهرج والمرج في المجتمع: كإمكانيّة اشتباه المجرم كثيراً، وتكثّر الإجرام، وإخفاء الجرم دائماً، وما إلى ذلك. إلّا أنّ هذا أيضاً إن تحقّق فهو خاصّ بصورة غير ملازمة، فلايحرّم الاستنساخ الفردي القليل مثلاً. وفي الاستتئام قد يقال: إنّه يحرم إعدام النطفة وإلقاؤها من الرحم في جميع مراحل وجودها كما دلّت على ذلك روايات معتبرة من قبيل موثّقة إسحاق بن عمّار: «قلت لأبي الحسن: المرأة تخاف الحبل، فتشرب دواءً، فتلقي ما في بطنها؟ قال: لا. فقلت: إنّما هو نطفة. فقال: إنّ أوّل ما يخلق نطفة. ونظيرها صحيحة رفاعة: قال: قلت لأبي عبدالله: أشتري الجارية، فربّما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم، فتسقى دواءً لذلك، فتطمث من يومها، أفيجوز لي ذلك وأنا لاأدري من حبل هو أو غيره؟ فقال لي: لاتفعل ذلك. فقلت له: إنّه إنّما ارتفع طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل إنّما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل. فقال لي: إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة، ثُمّ إلى مضغة، ثُمّ إلى ما شاء الله، وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرحم، لم يخلق منها شيء، فلاتسقها دواءً إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه. فهاتان الروايتان صريحتان في تحريم إسقاط ما يصلح أن يكون منشأً للولد من الرحم ولو كان على مستوى النطفة، فإذا كان الاستتئام موجباً لفقد خليّة منها كما لعلّه الأغلب، كان حراماً فليجتنب عنه. وقد يقال في جواب ذلك: إنّ ما وقعت في الرحم من الخلايا ليست عادةً كلُّها قادرة على طيّ المسافة إلى حين تكوّن الولد في عرض واحد، وإنّما يتكوّن منها القليل كالواحدة مثلاً، فإذا كان ما اُخذ من الرحم بالطريقة الماضية يموت بعضها، وتتكوّن منها الواحدة، فهذا كاف لتلبية ما تتطلّبه حرمة الإسقاط أو الإعدام؛ إذ لانعلم بقابلية أكثر من الواحدة على سبيل البدل لذلك. إلّا أنّ هذا الإشكال إن صحّ، ولم نقل بكفاية قابلية ما يُعدم لنشوء الولد ولو بدلاً في الحرمة، يبقى أنّ احتمال موت الجميع بالعمليّة الماضية وعدم تمامية الإنجاب نهائيّاً واردٌ؛ فإنّ نجاح العمليّة ليس مضموناً في كلّ قضيّة قضيّة، وإنّما أثبت العلم النجاح في بعض العمليّات، وهذا تقريب آخر للحرمة، وهو كاف لضرورة الاجتناب. إلّا أنّ هذا العمل المحرّم بكلا تقريبه يقع في مقدّمة الوصول إلى الاستتئام، ونفس الاستتئام ليس بمحرّم بمقتضى هذه الروايات. هذا حكم نفس الاقدام على هذه العمليات .