المفاهيم القرانية - منتدى ثقافي لسماحة المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري - الكاظمية المقدسة

اخر الأخبار

السبت، 12 أغسطس 2017

المفاهيم القرانية





كلمة اية الله السيد علي الاكبر الحائري  

من منطلق المسؤولية الشرعية ومن منطلق واجبنا الشرعي تجاه مخططات الاعداء الذين يريدون ان يشوهون الاسلام و يشوهون المذهب الشيعي بالذات ويستغلون الفرص من كل زلة تصدر من ابناء الحوزة العلمية ، من هذا المنطلق رأيت من واجبي الشرعي ان ارد على النظرية التي صدرت من بعض من يدعي الفضل . حيث قال: ان مصاديق المفاهيم القرانية اجتهادية وليست توقيفية ، وبالتالي يمكن ان يغيرها الفقيه ، فالامور فوضت الى الفقيه لتغيرالاحكام الشرعية بحسب العصور و المتطلبات في كل عصر بحسبه . والغريب انه قال: ولا استثني من ذلك حتى العبادات وان ادى الى تاسيس فقه جديد, وهذا يعني ان من حق الفقيه ان يغير الاحكام الشرعية وفق ما يرى من متطلبات العصر الحديث حتى في كيفية الصلاة والعبادات الاخرى ناهيك عن تغيير نظام الارث في الاسلام وغيره مما صرح بذلك. وهذه نظرية انحرافية خطيرة وهي تناسب فكرة الحداثة التي يريدها لنا الاعداء ويريدون ان يدخلوها في صفوفنا حتى يغيروا الاسلام كيفما يريدون , و ربما قد صدرت هذه النظرية ممن صدرت منه عن جهله و ضعف مستواه العلمي جدا ، وهي دالة بوضوح على ان من يحملها ليس له ادنى مستوى من الاجتهاد في استنباط الاحكام الشرعية . صحيح ان مصاديق المفاهيم القرانية قد تتغيرفي كل عصر بحسبه وهذه الفكرة مطروحة ومقبولة في المصاديق بالمعنى الحقيقي بشرط عدم تغيير المفاهيم نفسها ومثال ذلك في الفقه مصداق مفهوم (الاحسان) الذي يترتب عليه بعض الاحكام الشرعية من قبيل وجوب الاحسان الى الوالدين ومن قبيل نفقة الزوج للزوجة {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} فاذا ابقينا مفهوم الاحسان على وضعه امكن القول بان مصداقه قد يتغير حيث كان مصداق الاحسان قبل عقود من الزمن اوقبل قرون في نفقة الزوجة يتمثل بالبيت البسيط والاكل البسيط واللباس البسيط ، فالبيت كان عبارة عن غرفة واحدة ، واللباس عبارة عن لباس واحد الى غير ذلك، ولكن في يومنا هذا لو ان الرجل اعطى النفقة لزوجته بهذا المقدار كما كان في قديم الزمان سوف لا يكون محسنا وهذا لا يعتبر مصداقا للاحسان، ففي يومنا هذا لا بد من تعدد الثياب و تعدد غرف الدار ونحو ذلك حتى يتم مصداق الاحسان, فالمصداق هنا يتغير ولكن الحكم يبقى نفس الحكم من حيث المفهوم الكلي للاحسان وهذا التغير انما هو في المصداق فحسب. ولكن المدعي في نظريته هذه لا يكتفي بهذا المقدار بل يسري التغيير الى المفاهيم الكلية الوارة في الاحكام الشرعية ويحاول ان يطبق فكرته على تغيير نظام الصلاة او الارث او الحدود الشرعية الى غير ذلك , فلا يكتفي بالمصداق اذا تغير وبقى المفهوم على نفس حاله وانما يغير اصل الحكم ويدعي ان هذا التغيير مفوض الى الفقهاء في كل عصر اي يجتهدون بما يريدون وهذا ما لم يقل به احد من الفقهاء وهو خلاف ضروريات المذهب, ويؤدي الى تغيير كل الموازين وهذا خلط عن عمد او غير عمد بين المصاديق والمفاهيم القرانية . اما الخلط الاخر الذي تورط فيه صاحب هذه النظرية فهو في معنى الاجتهاد ، فان الاجتهاد بمعنيين كما وضحه استاذنا الشهيد محمد باقر الصدر ( رضوان الله عليه ) في كتاب الحلقة الاولى وغيره . فالمعنى الاول هو الاجتهاد المقبول والمعنى الاخر هو الاجتهاد المنبوذ والمذموم بحسب روايات الائمة الاطهار، فالاجتهاد المذموم هو العمل بالراي او القياس او الاستحسان وذلك بان يجعل الاجتهاد مصدرا للفتوى كما كان عليه ابو حنيفة وامثاله , فالائمة الاطهار عليهم السلام حاربوا فكرة الاجتهاد بمعنى الرأي والقياس والاستحسان بكل شدة وبكل ثقل وكثرت الاحاديث والروايات عنهم عليهم السلام بهذا الصدد حتى بلغت فوق مستوى التواتر في محاربتهم لهذه الفكرة. منها: إن دين الله عز وجل لا يصاب بالعقول. ومنها: الشريعة اذا قيست محق الدين. الى غير ذلك. فهنالك فرق بين ان نجعل الاجتهاد مصدرا من مصادر تشريع الحكم وبين ان نجعل الاجتهاد اسلوبا لاستنباط الحكم من مصادره الصحيحة من الكتاب والسنة وهذا ما نقول به وهذا هو معنى انفتاح باب الاجتهاد ولا نجعل رأينا او اجتهادنا الى جنب القران والسنة فهو الاجتهاد الباطل. فالاخباريون اذ خالطوا بين معنى الاجتهاد الباطل وبين الاجتهاد الصحيح قالوا ببطلان الاجتهاد حتى بمعناه الصحيح. اما مدعي النظرية المذكورة فهو بالعكس من ذلك حيث ادى به الخلط المذكور الى قبول الاجتهاد الباطل الذي يساوي الراي والاستحسان و القياس وتغير الحكم الشرعي . وقد نقل استاذنا الشهيد محمد باقر الصدر ( رضوان الله عليه ) ان المرحوم السيد موسى الصدر(رحمه الله ) ( وهو لم يكن مجتهدا لكنه كان متفتحا فكريا ) قال : الا يمكنكم ان توجهوا فتوى بنحو من الانحاء لتنظيم اوقات الصلاة حسب الساعات لا حسب الشمس حتى تحل مشكلة المدن القطبية و اوقات الصيام الى غير ذلك بحيث يكون نظام العبادات على الساعة وليس على اوقات الشمس . فقال استاذنا الشهيد ، بان هذا العمل غير ممكن لنا ومن المستحيل ان يصدر منا من هذا القبيل لان تغير نظام الصلاة غير معقول وان هذا الامر ان جاز فهو يجوز للائمة المعصومين عليهم السلام فهم الذين يعرفون جميع مناطات الاحكام الواقعية وجميع التشريعات الالهية فهي بيدهم فهذا معقول اما من يستنبط الحكم من الادلة الموجودة بايدينا فهذا مستحيل لان الادلة الموجودة بايدينا لا يمكن ان نغيرها وهذا من مسلمات الفقه والتشريع (حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الي يوم القيامة ) فاصل الاحكام لا يمكن تغيرها وتبقى على مفاهيمها الكليية. فمدعي الحداثة يفتح المجال لتغير الفقه والاسلام والدين وفق الرأي والاستحسان ووفق ما يتطلبه العصر بحسب عقله، فمن الذي يدرك متطلبات العصر ؟ العقل البشري الناقص هو الذي يدركها , وليس له مصدر اخر في الكتاب ولا في السنة لمعرفة متطلبات العصر الجديد ، فتشخيص متطلبات كل عصر لا يكون الا من خلال الاستحسان والقياس العقليين , كما ان ملاكات الاحكام مجهولة علينا ولا يمكن قياسها او ان نطبق الاحكام وفق الملاكات التي لا ندركها لكل عصر . هو يطبق هذه الفكرة على الارث ، ويقول انه في بعض الاوساط الاجتماعية وفي بعض الازمان المعينة قد يمكن تغيرالحكم الشرعي على خلاف كون للذكر مثل حظ الانثيين وهذا هو القياس والاستحسان بعينه وهو يتقبله , كذلك يطبق هذه الفكرة على الدية بانه بعض الضروف تكون الدية مختلفة بين الرجل والمراة ولكن في ظروف اخرى يجب ان تتغيروهكذا . المهم ان الله تبارك وتعالى هو اعرف بملاكات احكامه في جميع العصور ووضع هذه الاحكام الشرعية ليس لعصر نزول القران وحسب وانما لكل العصور والازمنه ، وفكرة الحداثة هي فكرة انحرافية يريدها لنا الاعداء والمستعمرون .