قال الإمام الحسين (عليه السلام) مناجيا الله سبحانه وتعالى في دعاء عرفة( اِلهى اَنَا الْفَقيرُ فى غِناىَ فَكَيْفَ لا اَكُونُ فَقيراً فى فَقْرى ، اِلهى اَنَا الْجاهِلُ فى عِلْمى فَكَيْفَ لا اَكُونُ جَهُولاً فى جَهْلى) ,الفقر في اللغة هو الحاجة، وهو مشتق من انفقار الظهر أي انكسار فقاره، فكأن الفقير مكسور الظهر من شدة حاجته. يدلّ مفهوم الفقر على وجود أوضاع وظروف معيشية لفئات اجتماعية، وهي أوضاع تتسمم بالحرمان على مستويات مختلفة، غير أنه تسود مفاهيم عديدة للفقر في الأدبيات الحديثة ذات العلاقة بموضوع الفقر، فالفقراء هم أولئك الذين ليس بمقدورهم الحصول على سلة السلع الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، إضافة إلى الحد الأدنى من الاحتياجات الأخرى مثل الرعاية الصحية والمواصلات والتعليم ، وتشير مفاهيم أخرى متعلقة بالفقر وبرامج وسياسات مكافحته إلى الفقر المطلق، والفقر النسبي حيث يعطي المفهوم الأول حداً معيناً من الد خل، وتعتبر الأسرة فقيرة إذا قل دخلها عن هذا الحد، في حين يشير الفقر النسبي إلى الحالة التي يكون فيها دخل الأسرة أقل بنسبة معينة من متوسط الدخل في البلد، وبالتالي تتم المقارنة في هذه الحالة بين فئات المجتمع المختلفة من حيث مستويات المعيشة. من جهة أخرى تركز بعض مفاهيم الفقر على أشكال مختلفة من الحرمان، وتشمل أشكال الحرمان الفسيولوجية والاجتماعية، أما الأولى فتتمثل في انخفاض الدخل (أو انعدامه) والغذاء والملبس والمسكن، ومن هنا فهي تشمل فقراء الدخل وفقراء الحاجات الأساسية، أما الحرمان الاجتماعي فهو مرتبط بالتباينات الهيكلية المختلفة كالائتمان، الأرض، البنى التحتية المختلفة، وحتى الأملاك العامة (المشتركة)، إضافة إلى عدم تمكن الفقراء من الاستفادة من الأصول الاجتماعية كالخدمات الصحية والتعليمية . يمكن التميز بين ثلاث معاني للفقر وهي: الفقر الاجتماعي وهو لا يعني عدم المساواة الاقتصادية الناتجة عن نقص الدخل والممتلكات وانخفاض مستوى المعيشة وإنما يشمل أيضا عدم المساواة الاجتماعية والدونية الاعتمادية والشعور بالنقص والاستغلال. وهذا يكون الفقر نسبيا لا يوضع مستوى معين من الدخل أو حجم الملكية.اما الثاني: هو العوز والحاجة ويقصد به فئة من الناس غير القادرين على تأكيد وجودهم على المستوى التقليدي الذي يعتبر أدنى مستوى دون أي مساعدات خارجية في أي وقت من الأوقات فهو يحدد المستوى الأدنى الذي يؤدي بالإنسان إلى الهاوية كما يحدد نموذجا للعلاقات الاجتماعية التي تشير إلى من هم المحتاجين الذين يطلبون المساعدة ومن الذي يساعدهم وتميز المجتمعات بين أشكال ذوي الحاجة الذين يستحقون المساعدة. والمعنى الثالث: هو الفقر الأخلاقي الذي يحدد مكانه في نسق القيم في المجتمع أو في أحد جماعته الفرعية ويشير هذا المعنى إلى ما إذا كان الفقر مقبولاً أخلاقيا وإلى المكانة التي يشغلها الفقير وتحول دون استمتاعه لذا فإن التعريف المناسب للفقر هو ذلك التعريف الذي يصف الفقراء وهذا الوصف يختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى. وأخيرا يمكن القول أن الفقر لا يعبر فقط عن عجز الإنسان عن إشباع حاجاته البيولوجية كما يقرر رجال الفكر الاقتصادي بل يعني كذلك عجز البناء الاجتماعي عن توفير مستلزمات الإنسان المادية والمعنوية وتأثير ذلك على عمليات الاندماج والعلاقات الاجتماعية وتكوين شخصية الفرد في المجتمع وتشكيل قيمته وثقافته بل تحديد دوره ووزنه السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فالفقر يجب أن ينظر إليه على أنه حالة يعجز فيها الإنسان بسبب مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية عن تلبية حاجاته المادية والمعنوية في ظل نظام اجتماعي وثقافي محدد. ويحمل الفقر معاني مختلفة باختلاف رؤى الباحثين منها ما هو مادي أو اجتماعي أو ثقافي ولذلك فالفقر ظاهرة مركبة تجمع بين أبعادها ما هو موضوعي كالدخل والملكية والمهنة والوضع الطبقي وما هو ذاتي مثل أسلوب الحياة ونمط الإنفاق والاستهلاك وأشكال الوعي والثقافة.إن تحليل وفهم الفقر كظاهرة اجتماعية يعتمد على تحليل كيفي لظاهرتين أساسيتين تتعلق الظاهرة الأولى بعملية التفاوت في توزيع الدخل وإعادة توزيعه على الفئات الاجتماعية وترتبط الظاهرة الثانية بقضية التفاوت الطبقي والتمايز المعيشي وتشير الظاهرة الأولى إلى اختلاف واضح بين رجال الفكر في رؤية الفقر وتحليله وتحديد العوامل المساهمة في انتشاره وبينما يرى فريق منهم أنه يجب التركيز على مفهوم المركز النسبي للفقراء في إطار السياسات الاقتصادية للدولة. ويُعرف الفقر في قواميس علم الاجتماع بأنه مستوى معيشي منخفض لا يفي بالاحتياجات الصحية والمعنوية والمتصلة بالاحترام الذاتي لفرد أو مجموعة من الأفراد. كما يمكن الإشارة إلى مفهوم الفقر من وجهة نظر الفقراء أنفسهم، حيث يرونه نتيجة لعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة والمتمثلة في توفيرالمأكل والملبس والمسكن الملائم، وضمان العلاج وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد الأسرة وتسديد فواتير الماء والكهرباء وتلبية الواجبات الاجتماعية وأخيرا وليس آخراً هل يوجد فقر سياسي في الواقع المعاصر؟ أترك الإجابة للقارئ العزيز، حيث لكلٍ منا منظوره الخاص في قياس الفقر السياسي . بقلم : د. عبد الجبار ثجيل الذهبي |