حول التقليد - منتدى ثقافي لسماحة المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري - الكاظمية المقدسة

السبت، 25 مايو 2019

demo-image

حول التقليد


السؤال: سيدنا ما هو المراد من قول: قال الصادق (عليه السلام): «إيّاكم والتقليد، فإنّه من قلّد في دينه هلك، إن الله تعالى يقول: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، فلا والله ما صلّوا لهم ولا صاموا ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون». وهل سند الرواية صحيح؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب:
أوّلاً: الرواية لم يروها إلا الشيخ المفيد وبلا سند في كتاب (تصحيح اعتقادات الأمامية: ص72) ممّا يضعف قيمتها علمياً.
وثانياً: لو تلونا الرواية كاملة وهي كالتالي: قال الصادق (عليه السلام): «إياكم والتقليد فإنّه من‏ قلّد في‏ دينه‏ هلك‏ إنّ الله تعالى يقول‏ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فلا والله ما صلوا لهم‏ ولا صاموا ولكنّهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم‏ لا يشعرون».. لأمكن أن تحمل الرواية -بقرينة الآية المباركة- على ذمّ التقليد في الأحكام ومتابعة من ليس أهلاً للفتوى في الحلال والحرام. فقد ورد في تفسير مجمع البيان: («اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ» أي علماءهم «وَرُهْبَانَهُمْ» أي عبادهم «أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ». روي عن الإِمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) إِذا قالا: «أمّا والله ما صاموا لهم ولا صلّوا، ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فاتبعوهم وعبدوهم من حيث لا يشعرون». وروى الثعلبي بإسناده أنّ عديّ بن حاتم قال: وفدت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان في رقبتي صليب من الذّهب، فقال لي (صلّى الله عليه وآله): يا عدي ألقِ هذا الصنم عن رقبتك، ففعلت ذلك، ثمّ دنوت منه فسمعته يتلو الآية (اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً) فلمّا أتم الآية قلت له: نحن لا نتّخذ أئمتنا أرباباً أبداً، فقال: «ألم يحرموا حلال الله ويحلّوا حرامه فتتبعوهم؟ فقلتُ: بلى، فقال: فهذه عبادتهم»).
وممّا لا شك فيه أنّ اليهود والنصارى لم يسجدوا لأحبارهم ورهبانهم، ولم يصلوا ولم يصوموا لهم، ولم يعبدوهم أبداً، لكن لما كانوا منقادين لهم بالطاعة دون قيد أو شرط، بحيث كانوا يعتقدون بوجوب تنفيذ حتّى الأحكام المخالفة لحكم الله من قبلهم، فالقرآن عبّر عن هذا التقليد الأعمى بالعبادة.
فجاءت الرواية التي تلونها عليك -لو سلمنا تمامية سندها- لتؤكد أنّ تقليد من ليس أهلاً للفتوى يكون عبادة لغير الله كتقليد اليهود والنصارى لعلمائهم الذين حرموا حلال الله وأحلوا حرامه، وبذلك عبدوهم وأشركوا في عبادة الله تعالى. وبالالتزام نفهم منها أنّ التقليد يجب أن يكون لمن كان جامعاً لشرائط الفتوى لكي يكون مخوّلاً من قبل الشارع المقدس بالإفتاء، ويكون العمل بفتواه -في النتيجة- عملاً بالحكم الشرعي و طاعة لله تعالى .


61110153_1821308307970513_1903388566235381760_n