أوّل ما يبدو للنظر هو أنّ انفصال المرجعية في التقليد عن الولاية أمر طبيعي لاختلاف إحداهما عن الأُخرى في الشرائط . فالمرجعية في التقليد في الأُمور الفردية مدارها الأعلمية بحكم الارتكاز العقلائي في باب الرجوع إلى أهل الخبرة حيث يختار لدى تعارض آراء أهل الخبرة من هو أكثر خبرة ، والأدلّة اللفظية للتقليد أيضاً تعطي نفس النتيجة ، إمّا لأجل انصرافها إلى ما عليه الارتكاز ، أو لأجل أنه لدى تعارض الفتويين يكون إطلاق الدليل لحجّيّة فتوى الأعلم سليماً عن المعارض ، ولا يتعامل العرف مع الإطلاقين معاملة التعارض الداخلي والإجمال ; لأن نكتة التقليد وهي الخبروية والعلم مأخوذة في لسان الدليل ، فإذا كانت هذه النكتة موجودة بشكل متكّرر ومتأكّد في الأعلم التفت العرف إلى تيقن سقوط فتوى غير الأعلم وبقاء فتوى الأعلم تحت الإطلاق بلا معارض . نعم إن كان الفاصل بين الأعلم وغيره ضئيلا لا يصل إلى مستوى ملاك التقليد أشكل الأمر . وعلى أية حال فالمقياس في التقليد في الأُمور الفردية هو الأعلمية . أما المقياس في الولاية فيختلف عن مقياس مرجعية التقليد في أمرين : الأوّل : أنّ الولاية مشروطة بالكفاءة السياسية والاجتماعية ، في حين أنّ التقليد لم يكن مشروطاً بهذا الشرط ، أو لنفترض أنّ كلاّ من مرجعيّة التقليد والولاية مشروطة بالأعلميّة في موردها ، ولكن الأعلميّة في أحد الموردين تختلف عن الأعلميّة في الآخر . صحيح أنّ الكفاءة الذهنيّة السياسيّة والاجتماعيّة دخيلة في استنباط كثير من الأحكام فتؤثّر ـ لا محالة ـ على الأعلميّة ولكن ليست هي وحدها الدخيلة في ذلك كي لا تنفكّ الأعلميّة عن الكفاءة . والثاني : أنّ مقياس الترجيح في باب التقليد الفردي كان هو واقع الأعلميّة ، وكان اعتقاد الشخص بأعلميّة فقيه طريقاً إلى الواقع ، ولكن في باب الولاية حينما تتجاوز دائرة القيادات الموضعيّة والجزئيّة ـ كما إذا قامت الدولة الإسلاميّة بقيادة الفقيه ـ لا يمكن أن يكون المقياس واقع الأعلميّة في فنّ القيادة ، أو قل : واقع الأكفئيّة ; لما مضى في الأبحاث السابقة من أنّ جعل المقياس هو الواقع يفشل عمل الوليّ ; لأنّ الناس يختلفون في تشخيص الواقع ، فمنهم من يرى زيداً هو الأكفأ مثلا ، ومنهم من يرى عمراً هو الأكفأ ، فنقع عندئذ في فساد تعدّد الأولياء . إذن فالمقياس في الترجيح يجب أن يكون له حظّ من مرحلة عالم الإثبات وهو انتخاب الأكثريّة ، ولو على أساس اعتقادهم بأكفئيّة من بين المتهيّئين للتصدّي للولاية . فإذا اتّضح اختلاف مقاييس الولاية عن مقاييس التقليد في القضايا الشخصيّة فانفصال أحدهما عن الآخر أحياناً يكون ضروريّاً .
آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري دام ظله